أخبار العالم
دور العلوم والمـــناظرات فــي عهد الدولة العباسية
ساهم دور العلم وفن المـــناظرة فــي الحركة العلمية التــي شهدتها العصر العباسي، وهي حركة كان اليةا الأثر الكبير فــي ظهـــور نهضة علمية كبرى شملت معظم العلوم والفنون. وعلــى هذا الأساس نحاول فــي هذا المقال إظهار أهمية دور العلوم والمـــناظرات وأثرها فــي تطور وازدهار الحركة العلمية فــي العصر العباسي:
أولاً: دور العلم:
كان نظام الملك (408-485هـ) “أول مـــن بنى بالمدارس فــي الإسلام، فهـــو بنى نظامية بغداد، ونظامية نيسابور، ونظامية طوس، ونظامية أصفهان”. وقبل بناء هذه بالمدارس كان تجد هناك معاهد ومؤسسات تعلــىمية أخرى أهمها:
1- الكتب:
وهـــو مكان تعلــىم الأولاد والبنات، وتربيتهم الأخلاقية والعلمية قبل انتقل إلــى مستوى أعلــى، وهـــو مستوى المساجد. وقد تطورت هذه الكتب فــي برامجها ومـــناهجها تبعا لتطور المجتمع واتساع الاستخراج وتنوع العلوم، خاصة بعــد ظهـــور مدارس الحديث والفقه والأصول وعلم الكـــلمــات والتصوف والفلسفة وبغيرها. فمثلاً اليةة الإملاء «معروفة مـــنذ بداية القرن الثاني هجرياً». ولم تكن هذه الاليةة معروفة قبل هذا القرن، وهي مـــن الطرق التــي “استلزم تطورها إدراجها”.
إن انتشار الكتب وكثرتها فــي المجتمع الإسلامي دفع علمـــاء الدين والفقهاء إلــى الكتابة عن التربية ونظرياتها. وتحدثوا عن أساليب التعلــىم والمـــناهج والعقوبات والمكافآت وصفات المعلم وأخلاق كل الطلبة وبغيرها. ولم يتركوا فــي الكتب شيئًا يتعلق بالتعلــىم إلا ذكروه. ومـــن هؤلاء المـــنظرين نذكر: محمد بن سحنون، وعلــى بن محمد القبسي، وكـــلاهمـــا يمثل المذهب المـــالكي فــي التربية، والحارث المحابسي الــذي يعكس آراء وأفكار المذهب الصوفــي، الفارابي وأحمد بن مسكويه الــذي تحدث عن التربية مـــن وجهة نظر فلسفــية. وهؤلاء المـــنظرون وإن اختلفت أفكارهم ومذاهبهم فــي مسائل التعلــىم، إلا أنهم اشتركوا فــي نقاط ومبادئ عامة، أهمها: إلزامية التعلــىم وأهميته، وتدرجه، ومـــن الضروري استمراريته، وأبرز أساليبه. ومـــنها: الإملاء والسؤال والدراسة.
أمـــا المواد التــي تتعلمها الأولاد فهي: القرآن الكريم، والفرائض الدينية، والكتابة والخط، بالبالاضافة لذلك إلــى الالأكاونت والالية والشعر والعروض. قال ابن قتيبة: «وكان مـــن المعلمين ابن أبي علقمة مولى عائشة، روى عنه مـــالك بن أنهس، وكان الية ديوان يعلم فــيــه العربية والالية والعروض، وتوفــي فــي غيرة المـــنصور » بعض المعلمين لم يأخذوا مـــنهم راتباً: «الضحاك بن مزاحم وعبد الالية بن الحارث يدرسان ولا يأخذان راتباً». »
وكانت تجد هناك عقوبات ومكافآت فــي الكتب، وغالباً مـــا كانت العقوبة هي الضرب بعــد مرحلة التوبيخ، وقد وضع العلمـــاء شروطاً للضرب، مثل ضرب المعلم “مـــن مرة إلــى ثلاث مرات، بشرط ألا يضرب وهـــو غاضب”، حتى لا يتحول الضرب إلــى انتقام وليس أداة تعلــىم، وعلــى أنه يسبقه – أي – الضرب – محاولات اللوم والتوبيخ الإيجابي، بعيداً عن الألفاظ البذيئة والشتائم. »
وأخيراً ساهمت الكتابات فــي نمو الحركة العلمية وازدهارها فــي المجتمع الإسلامي، وحظيت باهتمـــام علمـــاء الدين والعلمـــاء، واليةذا تحدثوا عنها فــي كتبهم، كمـــا فعل الجاحظ فــي كتابه البيان والتبيين، وابن قتيبة فــي (المعارف)، وذكراه لنا فــي هذين المؤلفــين. والكاتبان تكلة مـــن الكتاب المعروفــين مثل: الضحاك بن مزاحم، وأبو البيداء، وأبو معاوية الاليةي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، أحد موكـــلي الأزد مـــن سكان خراسان..
2-المساجد:
مـــنذ فجر الإسلام، لم تكن المساجد أمـــاكن للعبادة فحسب، بل كانت أيضًا مكانًا يكتشف فــيــه المسلمون دينهم الحديث وتعاليمه وأصوالية.
وفــي العصر الأموي، حافظت المساجد علــى دورها فــي التعلــىم فــي مختلف المـــناطق، جدير بالذكر تتعلم الطلبة الدين واللغة والأدب. وفــي الفقه: سعيد بن المسيب وزين العابدين علــى بن الحسين بن علــى بن أبي الطلبة درس فــي مساجد الكوفة، وعطاء بن أبي رباح بمكة، والحسن البصري بالبصرة، وإبراهيم النخعي فــي الشام وبغيرها.
وفــي الأدب أنهشد الشعراء الشعر فــي المسجد وناقشوه ونقدوه. “اجتمع الكميت بن زيد وحمـــاد الراوي فــي مسجد الكوفة وتناقشا فــي شعر العرب وزمـــانهم، فقال الية حمـــاد الكميت: أتظن أنهك أعلم مـــني بزمـــن العرب؟ العرب وشعرهم؟ قل ومـــا هذا إلا ظن والالية يقين فغضب الكميت… ثـــم أخذ يسأل حمـــاد عن الشعر والشعراء عن خبر يطول الحديث عنه.
ومع كثرة العلوم وتنوعها فــي العصر العباسي، تمجموعةت وتنوعت دوائر العلم فــي المساجد: فــي المسجد تجد دائرة فقه، وأخرى للغة، وثلث للالية، وأخرى للكـــلمة. وفــي رواية القاضي العنبري وأخيه البهلول أثناء تجواليةمـــا فــي الخواتم يوم الجمعة، ممـــا يدل علــى توزيع الخواتم فــي المساجد وتنوعها.
واستغل العلمـــاء والطائفة الطبيعة العلمية للمساجد لدعم ونشر آرائهم فــي مذاهبهم، كمـــا فعل أتباع المعتزلة.
وهكذا كانت المساجد مـــن أهم مراكز الاستخراج فــي المجتمع الإسلامي، وساهمت بشكـــل كبير فــي نشاط الحركة العلمية فــي العصر العباسي، جدير بالذكر كانت مكانا لاكتساب العلم والنقاش.
وبالبالاضافة لذلك إلــى التعلــىم المقدم فــي بالمدارس والمساجد، كان تجد هناك التعلــىم المعلن. ومـــن مهمة المعلم تربية وتعلــىم أبناء الطبقة المعلنـــة كأبناء الخلفاء والوزراء والأمراء وبغيرهم. ومـــن المتأدبين: شرقي بن القطامي الــذي “قدمه أبو جعفر المـــنصور ليعلم ابنه المهدي الأخلاق الحميدة”. قام المهدي بتعلــىم المفضل الذهبي وكان الية جمع المفضليات. وقد علم الكسائي الرشيد والأمين مـــن بعــده. كمـــا قام الأمين بتعلــىم علــى بن مبارك الأحمر “وكان مشهـــورا بالالية والحفظ”. أبو محمد يحيى اليزيدي كان معلمـــا للمأمون.
وكان للعلمـــاء دور رائد فــي نشر التعلــىم إلــى جانب المكتبات والمساجد، خاصة وأنه أغلبهم كانوا مـــن رجال عصرهم فــي العلم والاستخراج.
ثانياً: المـــناقشات:
وانتشرت المـــناظرات فــي هذا الظل وكثرت، وجاء العلمـــاء إلــى البيوت والقصور والمساجد وتناقشوا فــي الدين والفقه والالية واللغة والأدب. وقد ساهمت عدة عوامل فــي انتشار فن المـــناظرة، أهمها:
1- العامل الديني:
وكان الاختلاف والتنوع الديني فــي المجتمع العباسي عاملاً مهمـــاً مـــن عوامل انتشار المـــناقشات وتطورها. وانتشرت فــيــها الديانات التوحيدية الثلاث، وعاش فــيــها الملحبدون والزنادقة.
2- العامل اللغوي – الاليةي :
وكان للاختلاف الاليةي بين مدرستي البصرة والكوفة أثره فــي نشاط وتطور فن المـــناظرة. يقول أحمد أمين: “أسس الراسي مدرسة قواعد الكوفة… ومـــن تلك اللحظة بدأت مدرسة الكوفة تتوافق مع مدرسة البصرة. وبدأ الصراع بهدوء بين الراسي فــي الكوفة وآل الكوفة”. – الخليل فــي البصرة، ثـــم اشتدت بين الكسائي فــي الكوفة وسيبويه فــي البصرة، وكانت كـــل مدرسة تنحاز إلــى العلم، وينتمي كـــل طائفة، وكانت المـــناظرات التــي جمعت بين الطرفــين عديدة ومتنوعة، تناولت معظم أصول الالية وفروعه ولعل مـــناظرة مسألة الدبابير التــي جرت بين الكسائي وسيبويه مـــن أبرز مـــناظرات المدرستين.
3- العامل الاجتمـــاعي:
تنوعت الأعراق العرقية وتنوعت فــي العصر العباسي، جدير بالذكر عاش العرب والفرس وااليةنود واليونانيون جنبًا إلــى جنب فــي عاصمة الدولة العباسية. وقد فتـــح هذا التنوع العرقي فــي البنية الاجتمـــاعية الالية أمـــام صراع فكري وقومي اتخذ طابعا عصبيا، خاصة بين العرب والفرس. وتشكـــل المـــناقشات بين الشعوبيين ومعارضيهم أحد أشكال هذا الصراع.
إن فن المـــناظرة لم يكن ليزدهر وينتشر فــي العصر العباسي لولا العقلية العربية التــي تحدثيز بالحرية والانفتاح واستيعاب الآراء والثقافات. وكانت كل الأسئلة والأسئلة مفتوحة للنقاش والنقاش، بمـــا فــي ذلك مسائل الكفر والإيمـــان.
وكان لاهتمـــام الخلفاء بالعلم والعلمـــاء عظيم الأثر فــي نشاط وازدهار فن المـــناظرة. وكانت مجالسهم وندواتهم واجتمـــاعاتهم الفرصة للنقاش والنقاش. وهذه النصيحة حفزت العلمـــاء علــى محاولة البحث والدراسة مـــن مـــنطلق الطمع والرغبة فــي التقرب مـــن أصحاب السلطة، وأذكت روح النقاش وغذته.
وقد ساهمت المـــناظرات بشكـــل كبير فــي تطور الحركة العلمية وتقدمها لأنه توفر الحرية وأسلوب الحوار. وكـــل طرف يدلي برأيه ويطرح حججه ويرد أقوال خصمه بدون خوف مـــن الحقيقة. وهـــو مـــا يعده ملكًا الية، وهـــو إلقاء اللوم علــى الملوم، الأمر الــذي أدى إلــى انتشار المـــناقشات علــى نطاق واسع فــي كل أنهحاء العالم. العصر العباسي. وتكمـــن أهمية هذه المـــناظرات فــي أنها لم تنظم ليهزم فريق فريق آخر، أو لتأييد مذهب ودحض مذهب آخر، بل هي وسيلة تعلــىمية أهدافكها تحصيل العلم والاستفادة مـــنه. (…) اليةا وتعلــىم فــي الجدل».
خاتمة:
بناء علــى مـــا سبق نجد أنه انتشار دور العلم فــي العصر العباسي، وكثرة المـــناظرات بين العلمـــاء، وتشجيع الخلفاء للعلم والعلمـــاء، أدى إلــى تطور وازدهار الحركة العلمية فــي العصر العباسي. .
وظهرت مظاهر ازدهار الحركة العلمية فــي معظم العلوم والمعارف، إذ بدأت العملية جمع الأحاديث الشريفة فــي مـــنتصف القرن الثاني هجرياً علــى يد ابن جريج (ت 150هـ) بمكة مـــالك بن أنهس (ت 179 هـ) بالمدينة المـــنورة، وحمـــاد بن سلمة (ت 176 هـ) بالبصرة، وسفــيان الثوري (ت 161 هـ) بالكوفة، والأوزاعي (ت 156 هـ) بالكوفة والشام وبغيرها.
وفــي القرن الثالث هجرياً صنف البخاري (ت 256هـ) سليمه، ومسلم (ت 261هـ) فــي سليمه أيضاً، وابن مـــاجه (ت 273هـ) وأبو داود (ت 275هـ) فــي سننهم. . وظهرت المذاهب الفقهية الأربعة، وكتب أنهس بن مـــالك كتابيه الموطأ والمبدونة والأم للإمـــام الشافعي.
واشتغل اللغويون باللغة، وعملوا علــى جمعها مـــن القرآن الكريم ، والشعر العربي، وكـــلمــات العرب فــي باديتهم، وكتب أبو عبيدة الاليةي (ت 209هـ) كتاب (الخيل) فــي أسمـــاء الخيل، وصفاتها، وعيوبهـــا. كذلك كتب الأصمعي (ت 216هـ) كتابي (النخل) و(الشــاء) وبغيرها.
وظهرت مدارس البصرة والكوفة فــي الالية. وكان علــى رأس مدرسة البصرة عيسى الثقفــي (ت 149هـ) ، والفراهيدي ، وسيبويه، ويونس بن رومـــانسية حبيب وبغيرهم. أمـــا الكوفة فبرز فــيــها: مؤسسها الرؤاسي، والكسائي، والفراء، وبغيرهم.
أمـــا فــي الأدب، فقد بدونت فــي هذا العصر أبرز الكتب الأدبية، نذكر مـــنها: البيان والتبين للجاحظ، وأدب الكاتب والشعر والشعراء لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والأغاني للأصفهاني، وبغيرها.
كمـــا بدونت كتب نقدية مـــنها: عيار الشعر لابن طباطبا، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر، والوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني وبغيرها.
مقال بواسطة
Al-Fattany Beauty Channel
حقق
$0.34
هذا الإسبوع
احدث المقالات
أكثر المقالات شهره فــي هذا الاسبوع
مقالات مشابة
…إخلاء مسئولية: كل المقالات والأخبار المـــنشورة فــي الويب سايت مسئول عنها محرريها فقط، وإدارة الويب سايت رغم سعيها للتأكد مـــن دقة كـــل كل المعلومـــات المـــنشورة، فهي لا تتحمل أي مسئولية أدبية أو قانونية عمـــا يحصل نشره.