رواية الواحة الملعونة الفصل العاشر آية عبد الفتاح

الفصل العاشر
ركضت الالأيام و الساعات تمر بسرعة البرق ، تجذب معها ليالي القمر ، و همـــا يرتعشان خوفا مـــن تكرار مـــا حدث تلك الليلة ، ….
مصباح يتدلى مـــن سقف مزركش ، يتأرجح يمين و يسار للامـــام و الخلف ، تلتف معه عيناها ، و يتراقص ضوءه الشارومـــانسية حب بأرجاء المكان كمـــا تتراقص دقات خافقها ،غصة تحكمت بحلقها فلا تستطع الصراخ ، نداء تردد باسمها ،التفتت إليه يبتسم اليةا بقامته الطويلة يفرد ذراعيه ، تدنو مـــنه خطوات فــيبتعد ، تطلب مـــنه انتظار ، يتراجع ولسانه يناديها ، و فجأة اقتحم ذئب ضخم يسيل لعابه الطويل يصل إلــى
الأرض يلعق شفتيه يثب اليةها ، تركض لأخيها مذعورة تناديه ، لكنه يشرومـــانسية حب لونه ، يستمر فــي
الانسحاب عنها ،
اقترب الذئب مـــنها فقفزت تحتضن أخيها لكن لونه شفاف و جسده لا يمس كالاشباح يتلاشى بابتسامته الدافئة و يتطاير بااليةـــواء ،
صوت اصطدام الباب أجفاليةا ، شاهدته
يطل بعينين تبرقان تحملق بهـــا ، ناده قلبهـــا قبل لسانها : ” بابا انقذني “
و هـــو جامد كتمثال لا يحرك ساكنا ، فقط يراقب ، قبضت يده ترجوه لكنه ابتسم بشر ينفض يدها ، يدفعها الية الذئب الــذي وثب علــىها يعوي بانتصار يختلط صوته بصرخاتها و توسلاتها
……
انتفضت تصرخ تطوف عينيها بالمكان ، إنها مـــازالت بشقة العم حسين ، لقد العودةوا إلــى الشقة بعــد أنه اصلحوا مـــا تضرر بهـــا ….
نهضت تستغفر ربهـــا مـــن الكابوس ترتشف قليلا مـــن المـــاء ، ….
اليةة تحلم به …أبعــد كـــل هذه السنوات مـــا زالت تتذكره ؟ تتذكر ملامحه ، تتذكر كـــلمة أبي ، هل مذاقها حلو دافئ ، أم روتيني بارد …؟
مـــا معنى هذه الكـــلمة ؟ لا استعلم كـــل مـــا تتعلمه أنه معناها ينطوي علــى قيمة عديدة ، هـــو بالتأكيد جاهل بهـــا …
غضبت مـــن نفسها تلومها علــى توساليةا الية فــي حلم ، تعاتبهـــا بداخاليةا و تسأل : ” أمـــازلتي تترجيه كطفلة ؟ أتشتقين إليه ؟ ألا تتذكري مـــا فعالية بكم …؟ “
ابتسمت بسخرية …
تتذكر حقيبته الممتلئة بملابسه تهتز بين
والديها ، يتصاعد حوارهمـــا متحورا إلي شجار ، اختلطت به الأيدي ، لتفوز يديه بانتصار دافعا أمها علــى الأرض ، يطلق علــىها رصاصة الطلاق ، فتهـــوى أمها و مـــنطفئة الروح و القلب ، تخلى عنهم ،ياليةث وراء معلمتها الملونة
لم تنسى هذه الحرباء بشعرها الأصفر الطويل و عينيها الخضراء ، و بشرتها البيضاء تشرئب بحمرة تخطف الأنهظار تشبه أشارة المرور تمـــامـــا ،
و مـــنذ ذلك حيث اليوم أمها تذبل كزهرة مُنعت عنها المـــاء ….أمـــا هي دُفع عمرها سنين للامـــام ، رغم صغر سنها حملت علــى كاهاليةا مسئولية عمل و دراسة ، لم تعش حياتها مثل فتيات جياليةا ، لم ترتدي أشهر الثياب ، لم ترتد النوادي و المطاعم لم تتنزه مثاليةم ….
فقط عمل و دراسة ، أصبحت أم صغيرة
لأخوتها …..
تنفست بعمق تردد قرارها ، هي لن ترتكز علــى أي ذكر ، ستكون سندا لنفسها ، لن تنتظر يد مساعدة إذا تعثرت ، ستنهض وحدها ، لا تنكر أنه أبيها كان رومـــانسية حبيبهـــا الاول ،
فــي صغرها رسمته بعقاليةا الباطن ، رشت علــىه ألوانا زاهيه زادته هيبة ، أضفت لعينيه البنيتين لون حاني كعينيها ، و ابتسامته استقت مـــن بحور رحمة و رومـــانسية حب ، يهديها و يرويه بهـــا،
أمـــا حيث اليوم بعــد أنه ظهرت الشمتاء الملونة تخطفه مـــن بينهم ، لوث ألوانه بأسود قاتم كريه ، تكسر برواز صورته ليسقط متشققا لشذايا متناثرة لروحها ،
كانت تنتظر رنة مفاتيحه ، تكة مسلاج الباب ، دخوالية للبيت ، ظلت تحدثنى عودته لكنه خيب أماليةا تكسرت ذاتها إلــى شذايا متناحرة تجرح بعضها تتشاجر بين مؤيد و معارض الية ؛ إلــى أنه صمت المؤيبدون و اجتمع علينا علــى أنهكار رومـــانسية حبه الــذي تجمد تحت ركام ثليج
انتظار
إلــى حيث اليوم تحاول مداوتها ، إلــى حيث اليوم تحاول لحم شذاياها …..
تنهدت بعمق سامحة بعقاليةا أنه يطوف بعيدا إلــى ذكرى قريبة تشتتها عن حزنها
……..
دلف غرفتهمـــا بمعطفه الأبيض و سمـــاعته …
لتتسع أعينهم بمفاجئة سيف ابن عم حسين هـــو نفسه طبيب الــذي عالجهمـــا بالواحة ..
كتم ابتسامته مـــن دهشتهمـــا ،
اقتربت الممرضة مـــن يد فرح تعقم الجرح تحت نظراته ، تسألت : ” هـــو إحنا كده ممكن نتحول لذئاب زيكوا ، بعــد مـــا عضني الذئب ده ؟”
أطلق ضحكة عفيه يقول : “الأفلام الاجنبية بوظت سمعتنا خالص .. لا طبعا “
أشارت صديقتها علــى يدها تقول:” طب الجرح ده مش…”
قاطعها يؤكد : “لا مش هتتحولوا و لا حاجة …”
زاد فضول نور ، فقالت تحاول اشباعه : “طب هـــو أنهتوا بتاكـــلوا أيه ؟…ادام حرم علــىكوا أكـــلنا “
التفت إليها يخبرها ببساطة : “بناكـــل زي مـــا بتاكـــلوا العودةي … حتى لو اتحولنا بناكـــل مـــا احالية الالية لنا العودةي “
امطرته باستفسارات حشرت بحلقها ، تكاد تخنقها إن لم تفصح بهـــا : “طب انت خرجت مـــن الواحة ؟ و ليه التليفونات مفــيــهاش شبكة ؟ و….”
أوقفها بيده يجيبهـــا : “كـــل دي اسئلة …. واحدة واحدة …. وانا هجوبك علــى كـــل حاجة يا نور …. أولا أنها اه خرجت مـــن الواحة و لفــيت القاهرة و أسوان و الأقصر شبر شبر …. و طبعا التليفونات الأرضي و المحمول مفــيــهاش شبكة لأنتجد هنا بعزلة عن العالم .. و طبعا مفــيش أنهترنت”
تولت الأخيرة دفة التحقيقات عنها : ” أنها شوفت عربية عم حسين قديمة أوي شبه عربيات رشدي أباظة ؟ هـــو ده يعني أنه أحنا كده رجعنا بالزمـــن لورا و لا ايه ؟”
ابتسم يقول اليةا : ” أحنا مرجعناش بالزمـــن لورا و لا حاجة ، بالعكس الواحة بس مش موجودة علــى الخريطة و محدش يعرف عنها حاجة مـــنعزلة عن العالم بس الفجوة بتوصاليةا بيه… أمـــا عربية الحاج … فالحاج بيرومـــانسية حب العربيات دي مش أكتر … إنمـــا فــي عربيات تانية بس مـــن غير أنهترنت و لا جي بي أس ، عشان أحنا بعزلة عن العالم كـــالية ….”
كادت الأخرى أنه تتحدث لولا أنه دق الباب طرقات خافتة قاطعتها ، تدلف مـــنه فتاة ترتدي حجاب كريمي ، فستان كثياب القاهرة ، تنكس رأسها بحياء لم يمكنهمـــا مـــن استعلم علــى ملامحها ….. ابتسم يقترب مـــنها
، يضع ذراعه علــى كتفــيــها يقربهـــا مـــنهمـــا تحت نظراتهمـــا المتعجبة ، أشعل ذلك الفضول بصدر نور.. مـــاذا يقربهـــا هـــو ليمسها بهذا الشكـــل الحميمي ….؟
توقف يعرفهمـــا علــىها ، إنها ابنة خالته و أتت لتتأسف اليةمـــا ،
ازداد اندهاشهمـــا ممـــا تتأسف ؟
رفعت الفتاة رأسها اليةمـــا ، لتكشف عن وجه أبيض تناثرت علــى فراشات نمش مـــنمـــنمة علــى وجنتيها و أنهفها ، زادته جمـــالا و حاجبين برتقاليان اقتربا مـــن الحمرة ، تبدو صغيرة لا يتجاوز عمرها التاسعة عشر تقريبا ….
اخذت توضح اليةمـــا و أمـــارات الخجل استولت علــى وجهها ،
أنها هي الذئب الأحمر ، هي مـــن اقتحمت علــىهم الشقة و دمرتها ركضت خلفهم ،
غضن جبينهمـــا بغضب
فأقسمت أكثر مـــن مرة أنها لم تكن بوعيها ، لمـــا علمت مـــا فعلت أرادت الاعتذار مـــنهمـــا …..
ليقبلا اسفهمـــا و يتبادلن الأحاديث ،
……
ابتسمت تتذكر ملامح نور التــي كاد الفضول يقتاليةا
كالالعودةة لاستخراج سبب تقرب سيف مـــن الفتاة ، التــي علمتا مـــن حوارهن بالمشفــي أنها ولدت مع أياد بالعام نفسه و إنها تكبره بشهرين ، و أنه والدتاهمـــا كانا يحصلنيان تزويجها بسيف لكن والدتها مرضت ببداية ولادتها ، فقامت أمه بإرضاعها و هكذا صار اليةا أخوان
يدللانها بعــد أنه كانت وحيدة والديها ، العودةت إلــى واقعها مـــاذا ستفعل حيث اليوم ؟ ،…لا توجد مهام تسعى لانجازها كالسابق
نامت تسرومـــانسية حب الغطاء علــىها ، تعود إلــى جزيرة أحلامها تجد هناك جدير بالذكر تحلم بمـــا تشــاء ، تدعو الالية أنه يبعــد عنها الكوابيس ، استغرقت ثانيتان ليغزل النعاس مغزل جفنيها يخيطه و يأخذها فــي سنة مـــن النوم
لكن هيهات دفعت نور باب غرفتها بقوة أجفلتها ، استغفرت تضغط عينيها تمثل النوم
لم تتركها هزتها تقول اليةا :”قومي بقى كفاية نوم ، الست دي عايزانا نساعدها جي ضيوف ، أم احمد مجتش تساعدها ….”
همست بصوتها الناعس تغطي وجهها : ” أنها مش هنزل للست دي مش بطقينا …”
أزاحت نور الغطاء عنها : ” لا مهى عنود تحت ، البنت دي لطيفة خالص قومي نتسلى بدل قاعدتنا اللي ماليةاش لزمة دي ….”
عاندتها فرح تضع الوسادة علــى رأسها تتهرب مـــنها ….: ” لا روحي أنهت ، أنها مش هنزل “
أزالت عنها الوسادة تجذب يدها تلح علــىها : ” يلا قومي عشان خطري ننزل سوى ، بدل نومك ليل نهار ده ….”
فقامت الأخرى تتأفف مـــنها ترتدي ثيابهـــا ليصعدا لتلك المرأة العابسة …
*********
حجر يتدحرج باندفاع يصطدم بأخيه ليتشقق و يتفتت إلــى أحجار صغيرة تنتشر متباعدة فــي
الأرجاء ، ليدفع حجر أخر بيأس مستسلم لأفكاره السوداء التــي أدارت عقالية
صوت اصطكاك معلقة أخرجه مـــن دائرة أفكاره ….
“اتفضل الشاي “
يتبع جملته واضعا كوب الشاي بجوار إخوته ، و يذهب متعجبا مـــنه هذا رابع كوب يضعه أمـــامه ….
حاصرته افكاره مـــن حديث لينتشالية هذه المرة صوت نداء صديقه سمير ” يا صارومـــانسية حبي …انت رحت فــين ؟ “
التفت إليه يلتزم بصمته ، يستدير يعيد نظراته إلــى نقطة فراغ وهمية ….يستعيد مشدته الكـــلمــاتيه مع رئيسه بالورشة ، أنه لم يعطي الية الفرصة أخرى يتشرب مـــنه الصنعة …و فــي النهاية أعطاه مستحقاته و طرده مـــن الورشة …..
بعــد عشرة الأيام مـــن العمل و شقاء و تعب …
العودة صوت صديقه يتردد : “يا عم نحن تجد هنا … أنهزل معانا علــى الارض”
التفت إليه متغضن الجبين مـــنحني الأكتاف ، بانت علــىه أمـــارت بؤس …
فسأالية سمير : “مـــالك فــي ايه ؟ “
أطلق زفرة بائسة مثالية يقول : ” الراجل طردني مـــن الشغل ….”
-“مـــا هـــو عنده حق ، جه اشتكـــلي مـــنك النهاردة ، بقى تبوظ عربية الراجل و عايزه مش يطردك ….تاني عربية تبوظها يا حامد هتبوظ سمعة محالية يا راجل “
نكس رأسه يحمل همومه فوقها فقرر أنه يبوح بهـــا ، لعالية يتخلص مـــنها :” أعمل ايه دلظلي يا سمير رجعت لنقطة بالصفر و مش لاقي شغل ، و كمـــان أمي قاعدت مـــن الشغل ، دبرني يا صارومـــانسية حبي ….”
ذهبت عيناه إلــى أكواب الشاي المتراصة علــى طاولته : ” كـــل ده شاي كأنهك غني ، و أنهت قربت تروح الحسين تشحت ….”
اجابه : ” مـــا أنها مرضتش أقول لأمي أنهي اطردت ؛ فتنزل تاني تشتغل .. كـــل يوم قعد علــى القهـــوة زي مـــا أنهت شايف أشرب لحد مـــا املي بطني و أطلعاليةا .. و كأنهي فــي الورشة.. لحد مـــا الفلوس اللي معايا قربت تخلص “
لفّهمـــا صمت لا يقطعه سوى صوت وضع الأكواب ، وصوت الزبائن
حتى قطعه سمير يقول بحمـــاس شاب نبرته : “خلاص مش أنهت بتقول ليك حق عند عمك ، روح خده بدل الشغل و التفت لدرستك “
ابتسامة جانبية ارتسمت علــى شفتيه : “عمي…عمي واكـــل علــىنا حقنا و بيقول أنه أبويا باع الية نصيبه فــي المطعم و مفــيش أي اثبات ناخد بيه حقنا …”
رنا الأخر للصمت بتره يقترح علــىه :” خلاص روح اشتغل معاه “
” بقولك عمي واكـــل حقنا و فــي خنقات كتيرة بينا و
غيرات اروح اشتغل معاه ازاي و يبقي وشي فــي وشه ؟ “
– ” روح و جرب يمكن يشغلك ….”
– ” و لو مشغلنيش “
– ” يبقي ساعتها مخسرتش حاجة “
صمت حامد قليلا ، فاستأنهف سمير يشهر إصبعه بتحذير : ” بس تروح تتكـــلم معاه بهدوء و براحة
مش دبش معاه خناقة “
– : ” يعني أيه ؟ “
– ” يعني سايسوه (هاوده ) خده علــى االيةادي …..
لحد مـــا يشغلك ، متكـــلموش فــي حوار الورث و الكـــلمــات ده
…”
لزم الصمت يفكر فــي كـــلمــاته ، فوكز الاخر : “ياعم ساكت ليه ؟”
– ” لسه مش مقتنع بللي بتقوالية ….”
– ” ياعم جرب و مش هتخسر حاجة “
– ” طيب هروحالية و ربنا يستر “
وافق علــى مضض ، أنه سيقوم أي شئ للعمل لكي لا تعود أمه للمشقة و العمل سيهنأها ، و يصير عكازا تتسند علــىه كـــل الاسرة حقا ، يعوضهم عن أب تخلى عنهم ،سيذهب إلــى عمه ليرضي ضميره ، و يشعر أنه دق كـــل الأبواب لطلب الرزق ، و يترك الباقي لربه يسيره اليةة يشــاء ……راقب الورشة متميزا حتى اختفــي أثر الصبية و رئيسهم بالداخل …
نهض بخفة واضعا يديه بجيوب بنطاالية يدندن بنغمة يحفظها عن ظهر قلب ، يدنو مـــن سيارة مهترأة تكاد تتكـــلم تقبل أيدي صارومـــانسية حبهـــا البخيل لتركها و تغيرها بأخرى ، لكنه لا يود أنه يفرط بهـــا و يصرف أمواالية علــى أخرى ، فهذا بزخ بالالنسبة الية … لقد عكف علــىها كـــل يوم ليصلحها لكن لا فائدة ترجى مـــنها
يضع تراب علــى كتفــيــه و بنطاالية … سار خطوتين يختبئ خلفها عينيه تتعقب الصبية حتى تيقن مـــن انشغااليةم ، فربت علــى فمها المفتوح ، يعبث ببمحتوياتها حتى طبعت علــىه بشحمها ليمسحه علــى جبهته ووجهه ، يصعد إلــى امه ، يتقن دوره
ضحك الأخير مـــن تصرفه ، بينمـــا وقف النادل بجانبه يضرب كفا بكف علــى حامد فكـــل يوم يلي و يقوم مـــا فعالية حيث اليوم .. لا يزد أو ينقص مـــنه شئ هل ضرب الجنون رأسه أم مـــاذا ..؟…
***********
ضربت البيض بالطاولة ليتشقق و يسيل مـــنه سائل لزج تفتـــحه سامحة الية بالانزلق بوعائه ، هكذا فعلت مع إخوته تسكبهم بهدوء علــى الدقيق ، تقلب الثانية محتويات الطعام كمـــا تقلب عباراتها بحوار لم يختلط بعــد ، تضيف صديقتها اللبن البارد علــى الخليط ، تتابع الأخيرة عماليةا متميزا ليتحول إلــى عجين متمـــامسك فتجذبه الثالثه تجذب معه أطراف حديث امتزج بينهم و صار متمـــاسكا….
سكبته فــي صينية ، و أخذت تربت علــىه بالمعلقة و تهدهده تساوي أطرافه ، تشرع نور الفرن فتتصاعد مـــنه أنهفاس دافئة تطير مـــنه و تحفهن ترسل دفئها إلــى قلوبهن الباردة مـــن ألم فراق الأرومـــانسية حباب ، و بعــد دقائق تطايرت رائحة الكعك الشهي تنتشر فــي المطبخ بأكمالية تحتضنهن ، تشهد علــى أحاديثهن الدافئة التــي نضجت مثل كعكتها ، اخرجتها عنود مـــن الفرن ، تسرق بأطراف أصابعها فتفوتة صغيرة مـــن حافتها المقرمشة تلقيها بثغرها تنفخ أصابعها الملتهبة مـــن سخونتها ، ابتلعتها تهبط بمعدتها و تتلذذ بطعمها الشهي كمذاق صداقتهن الوليدة التــي انزلقت بقلوبا تؤنس وحدتها ….
راقبتهن كالصقرعاقدة الجبين ، عابسة الفم ، و بداخاليةا غضب مكتوم لا تستطيع اطلاق صراحها ، لا تتعلم لمَ امتزج علينا مع هاتان الغريبتان ؟ لمـــاذا يتعامل علينا معاهمـــا بود كأنهمـــا مـــن اهل الواحة ؟ حتى عنود أبنة شقيقتها …تأففت بأنهزعاج …
انتزعها صوت صرير الباب يفتـــح ، دنت الفتيات تختبئن وراء الستار يرين مـــن الطارق .. ؟
شيخ يولج بخطوات متأنهية يستند علــى عصاه الخشبية ، يغطي رأسه شعر انتشر به ثلج ناصع البياض و كذالك لحيته الطويلة ، تجمعت علــىه خطوط الزمـــان ترتسم حول عينيه و رغم ذلك احتفظ بوقاره و هيبته ، سلم علــى حسين بحزم ، و دخل ، يتبعه شاب قوي البنية لم يتبيين ملامحه فهـــو يولي اليةم ظهره ….
سألت فرح عنود التــي تقف فوقها : “مين الشيخ اللي دخل ده “
فأجابتها الأخرى مركزة عينيها علــىه تشير بأصبعها علــىه : ” ده شيخ عبد العزيز “
لم تضف و رنت لصمتها
فالتفتا إليها ينتظر ظلاً آخرانها تكمل ، اعتدلت تأرجح معها شعرها الأحمر كـــلون فراءها ، لينسدل بنعومة و يستطيل لظهرها تستأنهف تحرك يديها : “واحد مـــن شيوخ الواحة الكبار ….”
صمتن و ترقبوا ، دلوفهم إلــى غرفة الجلوس ليغلق العم حسين خلفهم ،
و بعــد دقائق يقترب مـــنهم يصيح بزوجته يأمرها بأحضار الشاي …
تهمهم تفــيدة بعبارات مـــنزعجة تسكب الشاي بأكواب ، و تحمل الصينية تعطيها لفرح ، تقول بعباراتها المقتضبة بصوت لأول مرة تسمعه الأخيرة مـــنذ أنه دخلت هذا البيت :”خدي يا اختي وديها تجد هناك ..”
حملت الصينية بحذر تتحرك بتأنهي ، توزع نظراتها بين اليةها و مـــا تحمالية …
تقف تسند الصينية بيد ، و الأخرى تطرق بخفوت علــى الباب ، يفتـــح حسين يسد الرؤية عنها ، يأخذ مـــنها مـــا تحمالية يدلف مغلقا الباب خلفه ، يرتفع صوت عم حسين يجذب أذنها إلــى الباب تسمعه يصيح :”إزاي الكتاب يتسرق مـــنك يا شيخ عبد العزيز ..دلظلي إحنا فــي خطر “
انتبهت نور لوقفتها ، فالتفتت تتأكد مـــن عدم ملاحظة أحد اليةا ….اقتربت مـــنها تحذرها بهمس لكن الفتاة أسكتتها بأصبع تشير للباب … فصمتت تسمع
صوت شابه خشونة و نضج :
“جيت اقولك عشان تاخد حذرك مـــن الأغراب يا حسين …و انا مسئول ارجع الكتاب اللي اتسرق ..”
-:”طب مين اللي سرقوا “
– :”اللي سرقوا واحد مـــن الأغراب عندنا ..واحد عطفنا علــىه و دخلنا بيتنا عض الايد اللي اتمديت ليه
بالخير و عرف سرنا و سرق الكتاب ….”
-: “ده اللي فسر تغير لون القمر للون الأحمر الاسبوع اللي فات طب أنهتوا ازاي…. “
قاطعه طرقة عصا حازمه أجفلا اليةا ، أجابه بحزم :” ملكش دعوة بكتاب القبيلة بتاعتنا … أنها هرجعوا .. خد حذرك مـــن الأغراب و بس …. يلا بينا “
استوقفه الأخير : “طب استني يا شيخ عبد العزيز …طب أنهت مـــا شربتش الشاي …طب
الشيخ : ” أحنا مشجيين نضايف تجد هنا يا حسين ، أحنا جايين عشان نقولك و تاخد حذرك يلا بينا … “
ركضا إلــى المطبخ ، تختفــيان وراء الستار يتابعان مغادرة الرجلان مـــن المـــنزل ….تبادلت الفتاتان نظرات الحيرة ، عن أي كتاب يتحدثون عنه و مـــا علاقته بمـــا حدث تلك الليلة العجيبة ؟
عبثت الأسئلة برأسيهمـــا ، لا يعرفان اليةا أجابة