جسور – الحلقة الأولى – Twice

شهر يونيو طويل جدا – ككـــل عام – ، تبدو بعض الأشهــر أطول مـــن غيرها رغم أنه الفارق قد يحدث يومـــا واحدا .. مفارقة عجيبة أنه تمر السنين علــى عجل و تطول الأشهــر و الالأيام ، لينا التــي ولدت سنة 1996 قد بلغت بحلول 2024 أربعا و عشرين سنة ، لكنها لم تشعر بهـــا إلا و هي علــى أعتاب تخرجها مـــن الجامعة .. حلم شائع لا يسقط بالتقادم أنه تصل إلــى نهاية ذلك الالية و إن كان القادم بعــده مجهـــول المعالم .. كانت لتصنع حفلا بهيجا يضيء سمـــاء حيها فــي أطراف مدينة الجسور المعلقة ، كانت لتحدثايل علــى أنهغام تمجد مسيرها كـــل صباح فــي تلك الأحياء العتيقة بحقيبة ظهر مثقلة ، كانت لتصنع كعكة بقبعة تتسدل مـــنها خيوط ذهبية لولا أنه وباء قاتلا قد داهم الأرض و جعل كـــل شيء مؤجلا إلــى حين .
»»»»»»»»»
كانت الساعة تشير إلــى الثانية زوالا ، لا شيء كالمألوف ، الحياة التــي اعتادت أنه تتنفس فــي الأجواء قد أرخت قبضتها ، كأنه ارتخاء تعب ، كأنها قد أفلتت بعض رومـــانسية حبااليةا لتقابل الموت عن قرب ، إنهمـــا متقاربان جدا ، بل إن الموت يكاد يبسط أجنحته مسيطرا ، الطرقات تبعث صداها مـــن فراغ إلا مـــن المضطرين ، الأفواه و الأنهوف مكممة خشية أنه يتسلل ذلك الزائر الــذي أتى ضخمـــا مريعا إلــى الأجساد ، لقد كان خطيرا بدرجة أولئك الأشخاص الــذين يدسون الكيد فــي ثنايا العبارات الطيبة ، لقد كان يتسلل مع الأنهفاس و النسمـــات .
كانت لينا تنتظر الحافلة التــي ستقاليةا إلــى البيت فــي إحدى الشوارع التــي يتخذها سائقو الحافلات كمحطات ثانوية ، لم يكن المكان مكتضا كالعودةته ، أربعة أشخاص فقط متفرقين بمسافة تقارب المتر ، يشك كـــل واحد مـــنهم فــي إمكانية أنه يحدث البقية يحملون الوباء ، إلا تلك العجوز الطاعنة فــي السن ، يبدو أنها لا تقيم للقصة وزنا و تضرب كل التوصيات عرض الحائط ، عجوز هرمة تنتظر الحافلة هي الأخرى ببدون أي احتياطات وقائية ، تتكئ علــى عكاز معوج مدبب فــي نهايته ، ينسدل بعض مـــن شعرها الأبيض علــى جوانب جبهتها و يحجب الباقي مـــنه ستار أسود مـــن دورتين و ترتدي فستانا أسودا ببدون تفاصيل . لا يظهر جليا إن كانت قصيرة القامة أم أنه عمرها قد صنع فــيــها انحناء و تقوصا بتر بعضاً مـــن علوها . مدت لينا يدها إلــى حقيبتها و تناولت قناعا واقيا حديثا و أشارت إلــى السيدة العجوز أنه ضعيه ، لكن العجوز ردت طلبهـــا يمرح و ابتسام : ليبق عندك ، كم بقي لنا مـــن العمر كي نخشى أنه نموت ؟
جاءت الحافلة ، صعدوا واحدا تلو الآخر ، كان السائق ممتعضا بعض الشيء ، فهذا الوضع قد خيره بالعمل إمـــا مع قلة مـــن الركاب و إمـــا ألا يعمل أبدا ، و هـــو الــذي اعتاد ألا يجد سالعودةته المـــفيه إلا فــي الازدحام ، حتى يكاد قابض المـــال الــذي يعمل لديه لا يجد مكانا يقف فــيــه .. جلست لينا فــي مقعد فــي الوسط و جلست السيدة العجوز خلقها تمـــامـــا و تفرق البقية فــي المقاعد الخلفــية و الأمـــامية متباعدبن . أشار السائق إلــى السيدة العجوز بوضع القناع الواقي كي لا يحصل تغريمه فــي الحاجز الأمـــني لكنها ردت كالمرة الأولى ، إنها لا تضعه أبدا و لا يهمها مـــا قد ينحر عنه ، كأنها لم نختبر رهبة أنه يحصل الإعلان عن أول مصاب فــي الحي ، كأنها لم تجرب تلك القشعريرة و هي ترى الأخبار العاجلة تتوإلــى فــي التلفاز و تعلن عجز العالم بكـــل جنونه العلمي و غطرسته التــي بلغت عنان السمـــاء عن كبحه ، كأنها لم تفقد قريبا و لم تخش موت عزيز ، كأنها لا تملك ضميرا يغرس أنهيابه فــي عنقها إن أصبحت سببا رئيسا فــي موت أحدهم ، كأنها شيء مـــن االيةامش لا تأبه بمـــا يحصل داخل عرض المشهد .
كرر السائق طلبه فرفضت مرة أخرى ، فمـــا كان مـــنه إلا أنه خيرها بين وضع القناع الواقي أو النزول ، تناولت لينا القناع الواقي مـــن حقيبتها مرة أخرى و ناولتها إياه الطلبةة مـــنها بلطف أنه تضعه كي لا تعرض حياتها و حياة البقية للخطر ، و كي لا تضع السائق فــي مشكـــلة مع رجال الأمـــن ، حضرت قناعتها الراسخة بعناد المسنين الــذي يشبه نرجسية عمرية تتغذى علــى الثقة المفرطة مـــن خبرات السنين الغابرة ، فضاعفت لطفها حتى قبلت بشرط ألا تضعه إلا عندمـــا يقتربون مـــن الحاجز ، بدا الأمر مقنعا بعض الشيئ للينا التــي توسطت الأمر مع السائق فتقبل الأمر باستياء شديد بعــد مد و جزر .
كان يوم السائق سيئا ، فقد بلغه صباحا أنه شقيقه الــذي يقطن بمدينة أخرى مصاب و حالته غير مطمئنة أبدا ، لذلك بدا حقده جليا علــى الوباء و زاد حدة مع رفض السيدة العجوز وضع القناع الواقي ، و أخذ يحصلتم عبارات غير مفهـــومة يخرج بهـــا بعضاً مـــن الضغط الــذي يخنقه ، حتى مروا بحي أسدل الموت ستائره علــىه ، جنازتان فــي حي واحد ، سيارتا اسعاف متوقفتان أمـــام بيتين متجاورين ، لا كراسي مصطفة ولا حشود معزية تخفف مـــا يذبح أهل الجرح ، لا أكتاف تسند الرؤوس المثقلة و لا أنهامل تمسح العيون الدامعة حد الثـــمـــالة . الوباء الــذي فرق الأحياء المتراصة و جعل المتر يبدو ميلا ربمـــا قد يلم شملا هذه المرة بأنه يرقد الجاران متجاورين فــي المقبرة .
نظر السائق فــي المرآة فإذا بالسيدة العجوز ترشق عيناها هي الأخرى اليةه، كأنها قد خبرت حديثا مؤجلا لمحته فــي نظراته المتكررة ، خاطبهـــا بتذمر :
“ مـــا ترينه هراء أليس كذلك ؟ ذلك الألم تجد هناك هراء ؟نحن نتقاسم هذا المصير شئنا أم أبينا ، القليل مـــن الجهل قد يقتلنا كلا ”
تنهد بعمق و أرفق التنهيدة زفــير طويل ، خاطب فــيــه نفسه عنها حتى بانت علــى وجهه لغة الملامح الفاضحة :
“ إن كان لأحد نصيب مـــن جهلك فأتمـــنى أنه يحدث أبنك بدلا مـــن شخص آخر لتختبري نتيجة عنادك .. ”
تمـــالك نفسه سريعا و هـــو يرى انسلاخه عن طبيعته المسالمة ، كأنه مسافة الإنسلاخ قد امتصت الغضب الــذي قاده إلــى ذلك الرجاء الكاذب ، استمر فــي حديثه الداخلي متعوذا مـــن الالأيام التــي يقابل فــيــها أشخاصا بلا أبالعودة إنسانية .. حتى قاطعته السيدة العجوز :
“ لو لا أنه لي شيئا لا أستطيع تركه لمـــا ركبت حافلتلك ، أمـــا أطفالي فقد فقدتهم ، أنها ابنة الترامتميزيا ، يمكنك أنه ترتاح ”