الانتخابات فــي موريتانيا بين الواقع والمأمول

حلّت مواعيد الاستحقاقات الانتخابية فــي موريتانيا فــي الثالث عشر مـــايو/ أيار الحالي. وتشمل الانتخابات البلدية والجهـــوية والنيابية. ولعلّ هذه الاستحقاقات تحدثيّز بأنها الأولى بعــد تولّي الرئيس الحالي السلطة مـــنذ 2019، جدير بالذكر خلف سلفه ورفــيق دربه الــذي اشترك معه فــي تدبير اانتقالابين عسكريين، أواليةمـــا ضد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، والثاني علــى الرئيس الراحل سيدي بن الشيخ عبد الالية، المـــنتخب بعــد مرحلة انتقفيه دامت الية سنتين.
يشارك فــي الانتخابات 1.800.000 ناخب موزّعين علــى الية 5000 مكتب مـــنتشرة فــي كـــلّ أرجاء البلاد. كمـــا شهدت الانتخابات مشاركة 25 حزباً سياسياً تقدّمت للمـــنافسة علــى المقاعد النيابية والجهـــوية والمحلية، بالبالاضافة لذلك إلــى لائحتي السيدات والشباب. وقد وصل مجموعة اللوائح الانتخابية إلــى 1368 لائحة.
هكذا، إذن تأتي هذه الانتخابات الحديثة ضمـــن سياق التدافع بين المدنيين والعسكريين فــي الجمهـــورية الإسلامية الموريتانية، وعلــى خلفــية أزمة اقتصادية عالمية أجّجتها جائحة كوفــيد 19، وفاقمت آثارها الحرب الروسية الأوكرانية. كـــلّف الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، الرجل القوي فــي النظام الحالي، وزير الداخلية واللامركزية محمد أحمد ولد محمد الأمين، بملف الانتخابات، والــذي عقد مشاورات مع 24 حزباً، حصل الاتفاق مع 21 مـــنها علــى أنه تكون اللجنة الانتخابية مستقلّة، ومشكـــلة مـــن شخصيات مستقلة غير مـــنتمية سياسياً، بينمـــا أصرّت الأحزاب الثلاثة المتبقية علــى أنه تكون المحاصصة قاعدة تشكيل اللجنة. ويستند هذا الرأي إلــى القانون الــذي سنّ فــي فترة الرئيس السابق، وجرى حسم الموضوع فــي إطار توافق الأحزاب السياسية فــي العملية تشاورية فــي طور الإعداد للانتخابات. وتشكّل اللجنة المستقلة للانتخابات ضمـــانة للإنصاف والشفافــية خــلال المسار الانتخابي. كمـــا أنها مـــن أهم مـــا اتّفق علــىه الطيف السياسي فــي موريتانيا، وهي مكوّن أساسي مـــن مكوّنات النظام الديمقراطي الموريتاني. وكانت أول لجنة مستقلة للانتخابات قد شكـــلت خــلال الفترة انتقلية 2005 – 2007 بالتشاور بين الفاعلــىن السياسيين، ثـــم شكّلت أخرى سنة 2009 كأحد مخرجات اتفاق الموالاة والمعارضة فــي دكار، والــذي شكّل اعترافاً وطنياً ودولياً بالاانتقالاب العسكري الــذي قاده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، علــى الرئيس المدني المـــنتخب سيدي بن الشيخ عبد الالية. واللجنة المستقلة للانتخابات هي الجهة المسؤولة عن تنظيم كامل المسار الانتخابي، مـــن الالتحاق علــى اللوائح الانتخابية وحتى إعلان النتيجة المؤقتة وإحالتها إلــى المجلس الدستوري لإعلانها النهائي، فــيمـــا يتعلق بالانتخابات الرئاسية والاستفتاء، وحتى إعلانها النهائي بالالنسبة للانتخابات الأخرى، البلدية والجهـــوية والتشريعية. وتجدُر الإشارة إلــى التغيّر الــذي حدث فــي صلاحيات اللجنة مـــن الدور الإشرافــي الرقابي بالالنسبة للجنتين الأوليين إلــى تنظيم الالعملية برمّتها بالالنسبة للجنة الحفيه أمـــام تراجع دور وزارة الداخلية. وفــي هذا الشأنه، تتوفّر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات علــى كـــلّ السلطات للتحقّق ولضمـــان نزاهة التصويت، بينمـــا ينحصر دور الإدارة الإقليمية فــي تأمين الالعملية الانتخابية ومبانيها والعاملين فــيــها وتجهيزاتها وأدواتها. وقد خصّصت للجنة ميزانية قدرها ثـــمـــانية مليارات مـــن الأوقية القديمة (الية 21 مليون دولار)، لاكتتاب العمّال وتدريبهم واقتناء التجهيزات الأمر إلزامية لتنظيم العملية الانتخابات، كمـــا صرفت الحكومة ملياراً إضافــية مـــن الأوقية، جرى توزيعه علــى الأحزاب السياسية بالتساوي، جدير بالذكر حصل كـــلّ حزب علــى 40 مليون أوقية، بغضّ النظر عن حجمه أو أقدميته النضفيه. وفــي السياق ذاته، جرت تحويلات واسعة فــي صفوف مسؤولي الإدارة الإقليمية، وخصوصاً العاصمة نواكشوط، قد يحدث أهدافكها تقريب الإدارة الإقليمية مـــن المواطنين، وتعزيز حياد الإدارة فــي الالعملية الانتخابية، مـــن أجل تعزيز الثقة بالعملية الانتخابات التــي اهتزّت مصداقيّتها فــي معظم الاستحقاقات المـــاضية التــي لم تسلم مـــن الفساد، كاستخدام المـــال السياسي وممتلكات الدولة ومضايقة المـــنافسين والتلاعب بأصوات الناخبين.
امتازت الحملة الانتخابية بالمسؤولية العديدة التــي تحلّى بهـــا المتنافسون، وبالانضباط الــذي طبع الجمـــاهير، وبالسهر علــى الأمـــن مـــن أجهزة الشرطة والحرس والدرك
وفــي إطار الاستعداد للانتخابات، شكّلت لجنة لمراجعة التقطيع الإداري للمقاطعات المستحدثة أخيراً، إلا أنهّ نطاق عمل اللجنة المذكورة قد توسّع ليشمل كـــلّ المقاطعات، وليأخذ جملةً مـــن المعايير فــي الاعتبار، كالمسافة مـــن مركز البلدية الحفيه والتوازن الديمغرافــي بين البلديات فــي المقاطعة الواحدة. ومع أنهّ اللجنة قامت بعماليةا، إلا أنهّ إشكالاً ورد فــي بلدية الركيز قضت فــيــه المحكمة الإدارية بتوقيف الالتحاق إلــى إشعار حديث. ومدّدت الإدارة صلاحية بطاقات التعريف الوطنية المـــنتهية لمواجهة التحدّي المتعلق بتفعيلها للموريتانيين الــذين يصلون إلــى الية المليونين. وقد استحدثت اللجنة المستقلة للانتخابات ترتيباتٍ حديثةً مـــنها استعمـــال البصمة البيومترية فــي أثناء الالتحاق وإمكانية تغيير مكتب التصويت، كمـــا سمح للجاليات الموريتانية فــي الخارج بانتخاب نوابهـــا فــي البرلمـــان، ولكن هذا الإجراء مقتصرٌ حالياً علــى بعض الدول.
العملية الاقتراع التــي بدأت يوم السبت، 13 مـــايو/ أيار 2023، واستكملت فــي حيث اليوم القادم فــي بعض المكاتب التــي تأخر بدء الالعملية فــيــها جرت بصورة جيّدة مـــن الناحية الإجرائية، حسب الناطق الموثقة باسم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات. امتازت الحملة بالمسؤولية العديدة التــي تحلّى بهـــا المتنافسون، وبالانضباط الــذي طبع الجمـــاهير، وبالسهر علــى الأمـــن مـــن أجهزة الشرطة والحرس والدرك. ولكن هذه الانتخابات لم تخلُ مـــن بعض الخروق، مـــنها مـــا يتعلّق بالجانب اللوجستي كجاهزية المقرّات، وإعداد اللوائح الانتخابية والتجهيزات والأدوات كالمكاتب وأوراق الناخب، وشكـــليات التقارير والرومـــانسية حبر اللاصق وانتقل والأمـــن والتخزين بعــد الاقتراع والتواصل والمراقبين المستقلين المحليين والدوليين الــذين يحتاجون دعمـــاً خاصاً، وبالذات إذا كانوا أجانب … إلخ.
أثّرت التحدّيات المرتبطة بكـــلّ هذه الترتيبات سلباً علــى جودة مخرجات الالعملية الانتخابية التــي تجري علــى مساحة واسعة تزيد علــى مليوني كيلومتر مربع، تتنوّع تضاريسها وسهـــولة الوصول إليها، كمـــا تختلف إمكانات التواصل فــيــها. وقد بلغت النسبة المشاركة 71%. وقد تميّز الدور الأول بكثرة البطاقات اللاغية، جدير بالذكر بلغت أكثر مـــن 24% مـــن الأصوات، مـــا قد يفسّر بكثرة اللوائح وعدم تركيز المصوّتين، خصوصاً بعــد فترة طويلة مـــن الوقوف فــي بالصف.
لم تخلُ الانتخابات مـــن بعض الخروق، مـــنها مـــا يتعلق بالجانب اللوجستي كجاهزية المقرّات، وإعداد اللوائح الانتخابية والتجهيزات والأدوات
وقد خسر الحزب الحاكم 75 بلدية ونائباً فــي ولايات البلد البالغة 15، مـــا عدا ولاية الترارزة التــي اكتسحها حزب الإنصاف (الحزب الحاكم) بشكـــلٍ كاملٍ فــي الدور الأول. ويعزو المحللون هذه النتيجة إلــى أنه مرشّحي الحزب فــي الأمـــاكن التــي فقدها لم يحدثوا يحظون بتزكية الساكنة المحلية، سواء كانوا مـــنها أو جاءوا مستقدمين إليها، مثل مرشّح الحزب فــي ولاية نواذيبو، العاصمة الاقتصادية للبلد. وتجدر الإشارة إلــى أنه كـــل مـــا فقده الحزب الحاكم فــي جلّه جاء مـــن نصيب أحزاب الأغلبية المساندة لرئيس الدولة الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني. وهذه الأحزاب قد استغاليةا المغاضبون مـــن داخل الحزب الــذين لم يرشّحهم ولم يرضوا عن قراراته وترّشحوا مـــن خلااليةا. وبمـــا أنهّ المقاعد لم تحسم كـــاليةا فــي الدور الأول فــيستكمل الباقي يوم 27 مـــايو/ أيار الجاري كمـــا تقضي بذلك التشريعات النافذة. وقد الطلبةت الأحزاب المشاركة فــي الانتخابات (غير الحزب الحاكم) مـــن الموالاة والمعارضة بإالعودةة الانتخابات، نظرا إلــى مـــا جرى مـــن تلاعبٍ بالنتيجة فــي مكاتب كثيرة، ولمـــا شابهـــا مـــن مخالفاتٍ مخلّةٍ بمصداقية الالعملية، كمـــنع ممثلي الأحزاب مـــن حضور العملية الانتخاب والاعتداء الجسدي واللفظي علــىهم أحياناً، ومـــنعهم مـــن الحصول علــى نسخ مـــن محاضر مكاتب التصويت كمـــا هـــو مقنن.
وقد ردّت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات علــى لسان المتحدّث باسمها بأنها علــى أتم استعدادها للتعامل الإيجابي مع التظلمّات التــي تصل إليها وتسليمها أو إحالتها إلــى العدالة عند الاقتضاء، كمـــا اعترفت بحصول تلاعب فــي بعض مراكز التصويت. كمـــا تميّز هذا الدور بملاحظة بارزة، وهي غياب أحزاب المعارضة العريقة (التكتل الديمقراطي، اتحاد قوى التقدّم، حزب التحالف الشعبي) التــي لم تحصل علــى نواب فــي البرلمـــان الحالي، وهـــو مـــا يذهب بعضهم إلــى تفسيره بنوع مـــن التصويت العقابي ضد هذه الأحزاب، نتيجة تقاربهـــا مع النظام وتخليها عن العمل الميداني والخطاب التقليدي المتعلّق بالتسجيل المواقف حيال زيادة الأسعار واستمرار الفساد وتدوير المفسدين. ومـــن جهة أخرى، ظهر معارضين جدُد أكثر انسجامـــا مع تطلعات الشباب، كالمدوّنين وروّاد وسائل التواصل الاجتمـــاعي. ومـــن السمـــات البارزة اليةذا الدور ظهـــور حزب الاتحاد مـــن أجل الديمقراطية والتقدّم الــذي برز قوة ثالثة بعــد حزب الإنصاف الحاكم وحزب تواصل ذي المرجعية الإسلامية.
فــي ظلّ دعوة الوزير الأول (رئيس الحكومة) الموظفــين إلــى التصويت للحزب ومساندته، وعدم حياد الإدارة الإقليمية، وكذلك تصريحات التهديد والوعد والوعيد التــي أطلقها مسؤولون كبار فــي الحكومة الحفيه، كالناطق الموثقة باسم الحكومة ووزراء آخرين، وهـــو مـــا ولد ردة فعل عقابية إلــى حدّ مـــا فــي بعض الأوساط الشعبية، وخصوصاً فــي الداخل الموريتاني.
مـــاذا بعــد؟
ظهـــور حزب الاتحاد مـــن أجل الديمقراطية والتقدّم الــذي برز قوة ثالثة بعــد حزب الإنصاف الحاكم وحزب تواصل ذي المرجعية الإسلامية
يبدو أنه الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، يحرص علــى التواصل مع الفرقاء السياسيين، تشاوراً أو تحاوراً، ويسعى إلــى تحقيق إنجازٍ سياسيٍّ مـــن خــلال تنظيم انتخاباتٍ ذات مصداقيةٍ طالمـــا كانت مفقودة. ومـــن تجلّيات ذلك السلوك دعوته رؤساء أحزاب المعارضة واجتمـــاعه بهم لمـــناقشة ملاحظاتهم علــى الدور الأول مـــن الانتخابات، ومالطلبةتهم بإالعودةة الانتخابات. وهـــو اللقاء الــذي أكّد فــيــه الرئيس أنهّ الموضوع يرجع برمته إلــى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وأنه لا يتدخّل فــي عماليةا.
أمـــام احتجاج الأحزاب، سواء المعارضة أو الموفيه، علــى نتيجة الانتخابات ومالطلبةتها بإالعودةتها، ترتسم ثلاثة احتمـــالات:
أولا، إبقاء النتيجة كمـــا هي، وهـــو اختيار مكـــلف جداً، مـــادّيا وسياسيا، جدير بالذكر لا يُستساغ تجاهل طلبات كـــلّ الأحزاب السياسية، وهم شركاء الحزب الحاكم، ومعظمهم مـــن الأغلبية الداعمة لرئيس الجمهـــورية.
ثانيا، تعديل النتيجة جزئياً علــى الأقل فــي المكاتب التــي ثبت فــيــها وجود اختلالات بالأدلّة البينة.
ثالثا، إالعودةتها برمتها وربمـــا تأجياليةا لمـــا بعــد الرئاسيات 2024. وتجدُر الإشارة إلــى أنهّ المعارضة تحضّر ملفا قضائيا يحتوي كل الطعون فــي الانتخابات، كمـــا ستنظم مهرجانا “لمخاطبة الرأي العام الوطني وإطلاعه علــى حجم التلاعب الحاصل فــي الالعملية الانتخابية”. نرجّح الاحتمـــال الثاني، جدير بالذكر تقيم لجنة متابعة الانتخابات المكوّنة مـــن وزارة الداخلية واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والأحزاب السياسية الخروق المذكورة، وحلّ الإشكالات المتعلقة بهـــا، أو رفع مـــا تعذّر علــى الحل مـــنها إلــى القضاء للفصل فــيــها.
لم تتضح الخريطة السياسية لمـــا بعــد الانتخابات، فالحدود بين الموالاة والمعارضة لا تزال متداخلة
ومهمـــا يكن مـــن أمر، لم تتّضح الخريطة السياسية لمـــا بعــد الانتخابات، فالحدود بين الموالاة والمعارضة لا تزال متداخلة. ويبدو أنهّ الاعتبارات االيةـــوياتية التقسيمية الجهـــوية والشرائحية والقبلية بقيت حاضرة ومؤثرة فــي المشهد، رغم مـــا يعلنه رئيس الجمهـــورية، فــي خطاباته المختلفة، مـــن سعيٍ إلــى تحقيق الديمقراطية والعدل والإنصاف ونبذ الاعتبارات التقسيمية، ومـــا يبديه مـــن حياد وترفّع عن غيرات الفرقاء السياسيين.
المعطيات الموضوعية كالنسبة الفقر (31%) والأمية (48%) وانتشار الأمراض وضعف الوعي السياسي كـــاليةا عوامل أثّرت بشكـــل جليّ فــي مخرجات العمليات الانتخابية بمستوياتها المختلفة. وتبقى الضمـــانة الأساسية لشفافــية الانتخابات فــي الدور الثاني هي مدى قدرة اللجنة المستقلة للانتخابات علــى ممـــارسة صلاحياتها. ويبقى نظام الحكم النهائي لواقع الاستحقاقات المقبلة، واليةة ستستفــيد مـــن دروس الدور الأول، وهي التــي لا تكاد تخلو مـــنها فــي ربوع دولتنا ومثيلاتها، كالتلاعب باللوائح الانتخابية لصالح هذا المترشّح أو ذاك، وشراء الأصوات ورشوة ممثلي اللوائح والتفاهم مع المراقبين الدوليين، والغشّ فــي العملية إدراج الالــبيانات واللعب بنتيجةها.
ومع هذا كـــالية، تبقى التجربة الموريتانية حريةً بالتوقّف عندها، بمـــا تحمالية مـــن مفارقات، كمجموعة الاانتقالابات ومعاملة الاانتقالابيين وإعادة ممثلٍ لأحد الأحزاب مـــن خارج صفوفه فــي اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات