قصة سيّدنا نوح علــىه السلام

قصة سيّدنا نوح علــىه السلام
بعثة نوح علــىه السلام بعث الالية- تعإلــى- نوحاً- علــىه السلام- إلــى قومه بعــد أنه ظهرت فــيــهم الضلالات ، والجحود بالالية ، فكان أوّل رسول يرسالية الالية إلــى الناس فــي الأرض ، وقد جاء عن ابن جبير ، وبغيره أنهّ قوم نوح كان اسمهم بنو راسب.
وقد كانت بداية عهد قوم نوح بالجحود بالالية حينمـــا عبدوا أصنامـــاً كان قد بناها مَن قباليةم مـــن الأجيال لرجال صالحين مـــنهم ؛ تخليداً لذكراهم بعــد ممـــاتهم ، وقد بَقِيت تلك النُّصُب فترة مـــن الزمـــن لا تُعبَد ، حتى إذا هلك ذلك الجِيل ، وذهب العلم ، اتّخذ الناس تلك التمـــاثيل أصنامـــاً يعببدونها مـــن بدون الالية- تعإلــى- ، قال- عزّ وجلّ-( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) ، فبعث الالية فــيــهم نوحاً نبيا ورسولا.
دعوة سيّدنا نوح علــىه السلام
بدأ نوح- علــىه السلام- بعثته بدعوة قومه إلــى الإيمـــان بالالية ، والتوحيد ، وإفراد العبادة لالية- تعإلــى- وحده ، وذكر اليةم فائدة اتِّباع أمره ، وطاعته فــي غفران ذنوبهم ، قال- تعإلــى- علــى لسان نبيّه( يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ) ،( ٤) وترك معاقبتهم ، وإمهااليةم إن هم آمـــنوا بالالية ورسوالية إلــى أنه يحين أجاليةم الــذي كتبه الالية اليةم ، قال- تعإلــى-( وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى).
وقد دعا نوح- علــىه السلام- قومَه يتم استخدام شتّى الأساليب ؛ حتى يؤمـــنوا بالالية ، قال- تعإلــى- علــى لسان نبيّه الكريم( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) ، وفــي هذه الآية وصفٌ لحال قوم نوح حينمـــا كان يدعوهم نبيّهم إلــى الإيمـــان ؛ جدير بالذكر كانوا يَفرّون مـــنه ، ويجعلون أصابعهم فــي آذانهم ؛ كي لا يسمعوا كـــلمــاته ، كمـــا أنهّهم كانوا يتّغطّون بثيابهم ، مُصرِّين علــى جحودهم ، ومُستكبِرين فــي عنادهم.
دعا نوح قومه سِرّاً فــيمـــا بينه وبينهم ، كمـــا دعاهم عَلناً بصوت مرتفع ، وأمرهم باستغفار الالية- تعإلــى- ، وذكّرهم بعاقبة التائبين المُستغفِرين حينمـــا يرسل الالية علــىهم السمـــاءَ مُتتابِعةً بالرزق الوفــير ، ويُمدِدهم بالأموال ، والبنين ، ويُصيِّر أرضَهم جنّات ، وأنهاراً ، قال- تعإلــى-( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا).
ثـــمّ ذكّر نوح قومَه بعظمة الالية- تعإلــى- التــي تتجلّى فــي خَلق الإنسان أطواراً ؛ جدير بالذكر يبتدِئُ خَلقه نُطفةً ، ثـــمّ علقةً ، ثـــمّ مضغةً ، ثـــمّ يخلق الالية العظام ، ويكسوها اللحمَ ، وقد قابل قوم نوح- علــىه السلام- دعوته بالعصيان ، والمخالفة ، والإصرار علــى مـــا فــيــهم مـــن الجحود ، والضلالة ، ومَكروا لنبيّهم مكراً عظيمـــاً.
دعاء سيدنا نوح علــى قومه
حينمـــا استيأس نوح- علــىه السلام- مـــن دعوة قومه ، دعا علــىهم ، ومـــن دعائه مـــا جاء فــي قوالية- تعإلــى- علــى لسان نوح( وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا) ؛ أي أنه يطبع الالية علــى قلوبهم بضلااليةم فلا يهتدوا إلــى الحقّ ، ثـــمّ قال- تعإلــى-( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) ؛ أي ربِّ لا تترك الكافرين علــى هذه الأرض ؛ لأنهّهم إن تُرِكوا ، أضلّوا الناس عن سبيل الحقّ ، وااليةدى ، ولا يلبدون إلّا الــذي لا يؤمـــن بدينك ، و يجحد نعمتك.
قد أكّدت قصّة نوح- علــىه السلام- علــى أنهّ النَّسب والقرابة والاللينكة الزوجيّة لا تشفع لصارومـــانسية حبهـــا إذا أصرّ علــى الكفر بالالية- تعإلــى- والصّد عن سبيالية ؛ فقد ضرب الالية- جلّ وعلا- فــي كتابه العزيز مَثلاً للذين كفروا ، فقال( ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).
إذ كانت كـــلٌّ مـــن إمرأة نوح ، وإمرأة لوط فــي عصمة نبيَّين صالحَين مـــن عباد الالية ، وكانت عائلة زوجة نوح- علــىه السلام- تُعين قومها علــى زوجها ؛ حين كانت تتّهمه بالجنون ، إلــى جانب أنهّها لم تؤمـــن بدعوته ؛ فكان ذلك الأمر بمثابة خيانة لزوجها ؛ ولذلك استحقّت تلك المرأة العذاب مـــن عند الالية- تعإلــى- مع مَن كَفر مـــن قوم نوح ، ولم تنفعها اللينكة الزوجية مع رجل كانت مكانته عفيه عند ربّه فــي دَفع العذاب عنها ؛ فكـــلّ إنسان مسؤولٌ أمـــام ربّه عن نفسه.
السفــينة معجزة سيدنا نوح
قد كانت السفــينة هي معجزة سيّدنا نوح- علــىه السلام- ؛ جدير بالذكر أوحى الالية إليه أنه يصنعَها ، حتى إذا جاء أمر الالية ، وفار التنّور الــذي كان مصنوعاً مـــن حجارة ، علمـــاً أنهّ الالية جعل فوران المـــاء مـــنه علامة علــى مجيء أمره ، وقد أمر الالية نوحاً أنه يحمل علــى السفــينة مـــن كـــلّ شيء حيٍّ زوجَين ؛ ذكراً ، وأنهثى.
ولم يثبت مجموعة الــذين حُمِلوا علــى السفــينة فــي الكتاب ، أو السنّة ، ثـــمّ أبحرت سفــينة نوح بهم من خلال المياه المرتفعة ، تدفعها الريح الشديدة مُشكّلة بذلك مـــا يُشبه الجبال فــي عُلوّها ، وعظمتها ، ورُوِي عن ابن كثير أنهّ طول المـــاء بلغ خمسة عشر ذراعاً كمـــا ورد عند أهل الكتاب ، بينمـــا ورد فــي رواية أخرى أنهّه بلغَ ثـــمـــانين ذراعاً.
ويُشار إلــى أنهّ سفــينة نوح- علــىه السلام- كانت مصنوعة مـــن الأخشاب ، قال- تعإلــى-( وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) ؛ فقد بدأ نوح- علــىه السلام- صناعة السفــينة بأمر الالية- تعإلــى- الية ؛ جدير بالذكر جلب الأخشاب ، وصَنع مـــن مـــادّتها الألواح ، ثـــمّ وضع الألواح بجانب بعضها ، وثبّتها بالدسر ؛ أي المسامير ، وكان قومه كـــلّمـــا مَرّوا علــىه يسخرون مـــنه ؛ لصُنعه السفــينة علــى اليابسة ، قال- تعإلــى-( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
وتجدر الإشارة إلــى أنهّ زوجة نوح ، وابنه كانا ممّن تخلَّف عن ركوب السفــينة ؛ بسبب كُفرهم ، وعصيانهم لنبيّهم ؛ جدير بالذكر دعا نوح- علــىه السلام- ابنه إلــى ركوب السفــينة قبل أنه تُبحر فــي المياه ، وكانت دعوته لابنه ؛ لعدم يقينه مـــن كونه أحد الكافرين الــذين كتب الالية علــىهم الغرق فــي الطوفان ؛ ظانّاً بعودته عن الكفر ، وقِيل إنّه كان يأمل مـــن ابنه أنه يراجع نفسه فــيلتحق بالمؤمـــنين فــي السفــينة ، ويترك الكافرين ، إلّا أنهّه رفض الاستجابة لنداء أبيه بالانضمـــام إليه ، والتجأ إلــى المَعزل الــذي ظنَّ أنهّه سيحميه مـــن الطوفان بعيداً عن أهل الإيمـــان مُعتقدِاً أنهّه سينجو ، إلّا أنهّه لا عاصم مـــن أمر الالية فــي هذا حيث اليوم العصيب سوى مـــن كَتب الالية الية النجاة برحمته.
عقوبة قوم نوح
كانت عقوبة قوم نوح الــذين كفروا الغرقَ بالطوفان ؛ بسبب خطاياهم ، ثـــمّ عقوبة النار فــي الآخرة ، قال- تعإلــى-( مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا) ، وبعــد أنه نجّى الالية نوحاً ، ومـــن معه ، استوَت سفــينته علــى الجوديّ ؛ وهـــو جبلٌ فــي الجزيرة كمـــا رُوِي عن مجاهد ، ورُوِي عن الضحّاك أنهّه جبلٌ فــي الموصل.
العِبَر المُستفادة مـــن قصّة سيّدنا نوح
تُستَفاد مـــن قصّة نوح- علــىه السلام- العديد مـــن العِبر ، والعِظات ، مـــنها مـــا يلي :-
اتِّفاق الأنهبياء ، والرُّسل علــى الدعوة إلــى الأصل الأساسيّ مـــن أصول الإيمـــان ، وهـــو توحيد الالية- تعإلــى- ، ونَبذ الشرك ، قال- تعإلــى-( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ).
مـــن الضروري استنفاد الأساليب كلها فــي الدعوة إلــى دين الالية ؛ فقد استخدم نبيّ الالية نوح- علــىه السلام- عدّة أساليب مُتنوّعة فــي دعوة قومه ؛ أملاً فــي جَذب قلوبهم للإيمـــان ، ومـــن ذلك الدعوة إلــى الالية سرّاً وجَهراً ، ليلاً ونهاراً ، واستخدام أسلوب الترغيب عند التذكير بالثواب العاجل والآجل لمَن يُؤمـــن بالالية ، وذِكر أنهواع هذا الثواب ، ومـــنه إرسال المطر ، والزيادة فــي المـــال والبنين ، كمـــا ورد استخدام أسلوب الترهيب ؛ وذلك بالتذكير بعقاب الالية لمَن عَصاه ، مع إقامة البراهين علــى صِدق الدعوة ورسائل.
بيان حقيقة الإخلاص التامّ لالية- تعإلــى- عند الأنهبياء والمُرسلين ، وتتجلّى هذه الفضيلة فــي عبوديّتهم لالية ، وفــي دعوتهم لأقوامهم ، وصَبرهم علــى ذلك ، قال- تعإلــى-( وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّه).
فضيلة ذِكر الالية- تعإلــى- ، وحمده ، والاستعانة به فــي حركات الإنسان ، وتقلُّباته كلها ، قال- تعإلــى-( وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) ، وكذلك سؤال الالية البركة عند نزول الأمـــاكن ، ودخول المساكن ، قال- تعإلــى-( وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ).
بيان فضيلة الصبر ؛ فقد صبر نوح- علــىه السلام- فــي دعوته حينمـــا لَبِث فــي قومه ألف سنة إلّا خمسين عامـــاً.