البحــرُ جنديٌ مـن جنــودِ الالية

خطبــة جمعــة بعنــوان
البحــرُ جنديٌ مـن جنــودِ الالية
أمّـــا بعــد أيهـا الأرومـــانسية حباب الكــرام :
حيث اليوم نحن علــى موعدٍ بإذن الالية جل وعلا مع مخلوقٍ عجيب مـــن مخلوقاتِ الالية سبحانه وتعإلــى ..!
مخلوقٌ عظيمٌ جليل ..! خلقه الالية جل وعلا من خلالةً لمـــن يعد، وعظةٌ لمـــن يتعظ !!
هذا المخلوقُ العجيب وجدناه مع بعضٍ مـــن أنهبياءِ الالية حامياً، وحافظاً، وقراراً، وسكناً، وأمـــنا..
ووجدناه مع أنهبياء آخرين هـلاكاً لأقوامهم، ونكالاً وعذاباً ..
هذا المخلوقُ العجيب يملأُ ثلاثةَ أرباع سطح الأرض ولولا أنهّ الالية جل وعلا يُمسكُهُ بقدرته ومشيئته لطفحَ علــى الأرضِ فأغرقها ودمرها، وجعل عاليها سافاليةا..
إنّهُ البحرُ بأمواجة العظيمة ..
البحرُ بأمواجه المتلاطمة مترامية الأطراف ..
البحرُ بأتساعه االيةـائل ..
البحرُ بخلقه الرهيب، وعظمته العجيبه ..
البحرُ بعذوبته وملوحته :
( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا )
الفرقان (53)
البحرُ آيةٌ مـــن آياتِ الاليةِ الدالة علــى عظمته وجبروته .
ففــي الجنّةِ رحمته، وفــي النّارِ سطوته وعذابه، وفــي البحرِ عظمته.
البحرُ يا عباد الالية :
خلقٌ مـــن خلقِ الالية يعبدُ الالية، يوحدُ الالية، يُسبحُ لالية،
ومـــن عجائبه أنهّهُ يرى ابن آدمَ يعصي الالية تعإلــى مع حلمهِ تعإلــى علــىه فــيتألم لذلك ..
ولولا أنهّ الالية مـــنعهُ إغراقهم لأغرقهم، يخبرنا بهذا نبينا صلى الالية علــىه وسلم كمـــا فــي مسند الأمـــام أحمد مـــن حديث عمر قال النبي صلى الالية علــىه وسلم : ” ليس مـــن ليلةٍ إلاّ والبحرُ يُشرف فــيــها ثلاث مرات يستأذنُ الالية أنه يطفح علــى العصاةِ مـــن بني أدم فــيكفُهُ الالية “.
فسبحان الالية !!.
البحرُ يغضب عندمـــا تُنتهك محارمُ الالية .!
وكم مـــن بشرٍ لا يُحرِّكون ساكناً ..!
كم مـــن أُناسٍ لا يهتزون وهم يرون الفواحش تنتشر، والمـــنكرات تسري ولا ينكرون مـــنكراً، ولا يأمرون معروفاً.
فالبحر يا كرام جنديٌ مـــن جنودِ الالية يُهلكُ الاليةُ به مـــن يشــاء مـــن أعدائه، ويُنجي به مـــن يشــاء مـــن عبادة المؤمـــنون.
فنجدهُ جندياً مـــن جنودِ الالية بارزاً مع نبي الالية يونس علــىه السلام الــذي كان هـــو وقومه فــي بقعةٍ قريبةٍ مـــن البحر وقد ضاق صدراً بتكذيب قومه فأنهذرهم بعذابٍ قريب، وغادرهم مُغضباً آبقاً فقاده الغضب إلــى شاطئ البحر جدير بالذكر رَكِبَ سفــينةً مشحونةً وفــي وسط الأمواج والرياح ..!
وكانت هذه علامة عند القوم بأنهّ مـــن بين الركاب راكباً مغضوباً علــىه لأنه ارتكب خطيئة، وأنهّه لا بد أنه يُلقى فــي المـــاء لتنجو السفــينة مـــن الغرق فاقترعوا علــى مـــن يلقونه مـــن السفــينة.
فخرج سهمُ يونس علــىه السلام وكان معروفاً بصلاحه، ولكن سهمه خرج بشكـــلٍ أكيد، فألقوه فــي البحر وقيل هـــو ألقى بنفسه إليه، فأرسل الالية الية حوتاً فابتلعه وأمره أنه لا يَكسِر الية عظمـــاً، ولا يخدش الية لحمـــاً، وطاف به البحار وغاص به إلــى الأعمـــاق، وبقي فــي بطن الحوت الأيامـــاً يسمع الحيتان وتسبيحها، ولولا أنهّه استغفر الالية وسبحه لبقي فــي بطنِ الحوت فــي قعرِ البحر إلــى يومِ القيامة قال سبحانه :
( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَــانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ • فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الانبياء87 / 88
لقد سمع الالية دعاءه واستجاب الية ونجاه مـــن الغم. فلفظه الحوت وخرج مـــن بطنه سقيمـــاً عارياً علــى الشاطئ محفوظاً بحفظِ الاليةِ جل وعلا ..
كمـــا نجد هذا المخلوق العجيب والجندي بارزاً مع نبي الالية نوح علــىه السلام حين كذبه قومه ..
وحينها جاء الامر مـــن الالية الــذي لا مرد الية بإهلاكهم
فأمر نبيه نوحاً علــىه السلام أنه يصنع سفــينة فصنعها ..
ولمـــا بدأ الطوفان أمره الالية بالركوب فــيــها مع مـــن آمـــن معه ..
فعمّ الطوفان الدنيا حتى بلغ قممَ الجبال العفيه، فنجاه الالية تعإلــى ومـــن معه مـــن المؤمـــنين، وأغرق مـــن كفر بالاليةِ رب العالمين قال تعإلــى :
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ ﴾ [الأعراف: 64].
وقال تعإلــى :
﴿ فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14
وهكذا فإن عاقبة الظلم وخيمة فــي الدنيا قبل الآخرة.
ولا إالية إلا الالية، مـــا أهـــون الخلق علــى الالية تعإلــى إذا عصوه سبحانه ..
ومـــا اسرعهم لطلب نجدته وعونه ومدده حينمـــا يقعون فــي الشدائد والمصائب والملمّات ..
(وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) لقمـــان (32)
قال رجل لأحد الصالحين أخبرني عن الالية؟
فقال : ألم تركب البحر ؟! قال : بلى؟
قال : هل حدث لك مرة أنه حلّت بكم عاصفة؟
قال : نعم ..
قال: وانقطعت الحيل عن الملاّحين ووسائل النجاة قال : نعم ..
قال : فهل خطر ببالك وظهر فــي نفسك أنهّ تجد هناك مـــن يستطيع أنه ينجيك إن شــاء ؟
قال ؛ نعم .
قال : فذاك هـــو الالية لا إالية إلاّ هـــو وسعَ كـــل شيءٍ علمـــاً.
إنّه جنديٌ عجيب
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].
مـــا أعظم الالية جل وعلا .!
فلو أنهّ كل مـــا فــي الأرض مـــن شجرٍ تحوّلت أقلام، وكل مـــا فــي الأرض مـــن بحارٍ تحولت إلــى مداد وهذا البحر يمده مـــن بعــده سبعةُ أبحر، وجلس الكُتّاب يكتبون ويسجلون عبارات الالية المتجددة الدالة علــى عظمته وعلــى علمه وقدرته ورحمته والدالة علــى مشيئته….
فإنّ الأقلام ستنفد، والمداد سينفد ..
( الأشجار والبحار والأقلام ستنتهي وتنفذ..)
وعبارات الالية باقية لا تنفد ولا تنتهي ..
لأنهّ علم الالية لا يُحد .! ولأنه إرادته لا تكفِ ..!
ولأنه مشيئته سبحانه مـــاضية ليس اليةا حدود
ولا قيود.
تتوارى الأشجار والبحار، وتنزوي الأحياء والأشياء، وتتوارى الأشكال والأحوال، ويقف القلب البشري خاشعا أمـــام جلال الخالق الباقي الــذي لا يتحول ولا يتبدل ولا يغيب.
﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27].
بارك الالية لي ولكم بالقـران العظيم ونفعني وإياكم بمـــا فــيــه مـن الآيـات والـذكـر الحكيم واستغفروا الالية لـي ولكم مـن كـــل ذنـب ويا فوز المستغفـرين ..
الخطبة الثانية :
أمّابعــد ارومـــانسية حبتي الكــرام :
البحر الجندي والمخلوق العجيب كمـــا وجدناه مع نبي الالية نوح، ونبي الالية يونس علــىهمـــا السلام نجدهُ كذلك جندياً مـــن جنود الالية بارزاً فــي قصةِ موسى علــىة السلام عندمـــا خافت علــىة أمه مـــن بطش فرعون، فأوحى الالية إليها وحي إاليةام :
﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]سبحان الالية !!
يا أم موسى أرضعيه فإذا خفت علــىه وهـــو فــي حضنك وهـــو فــي رعايتك ..!
إذا خفت علــىه وفــي فمّه ثديُك وهـــو تحت عينيك فالقيه فــي اليم.
الالية أكبر ..
طفلٌ فــي الأشهــرِ الأولى مـــن حياته يُلقى فــي اليم، وفــي تابوتٍ صغير لا مـــن يحميه، ولا مـــن يرعاه.
لكنّ الالية بعنايته وحفظه يحرسُهُ ويرعاه.
ولا تخافــي ولا تحزني إنّه تجد هنا فــي اليم، فــي البحر العظيم بأمواجه فــي رعايةِ الالية!
إنّه مع اليدُ التــي لا خوف معها …!
اليدُ التــي تجعلُ النارَ برداً وسلامـــاً ..!
وتجعل البحر ملجأً وملاذاً ..!
اليدُ التــي لا يجرؤ فرعونُ الطاغية، ولا طُغاةُ الأرض كلاً أنه يدنو مـــن حِمـــاها الآمـــن العزيز .
وإذا العنايةُ لاحظتكَ عيونها
فنم فالمخاوفُ كـــاليةّنّ أمـــانُ إنّ القدرة التــي ترعاه تُدبرُ أمره وتَكيدُ به لفرعون وآالية ..! فتجعاليةم يلتقطونه ..! وتجعاليةم يرومـــانسية حبونه ..!
بل وتجعاليةم يبحثون الية كذلك عن مرضعة..!
فــيأبى أنه يلتقمَ ثدياً، او يرضعَ مـــن كـــل المرضعات اللاتي تم استقدامهنّ لأجالية مـــن كـــل مكان ..!
حتى تبصره أختُهُ مـــن بعيدٍ فاستعلمه فتقول :
هل أدلكم علــى أهلِ بيتٍ يكفلونه لكم وهم الية ناصحون ؟
ثـــمّ يرجعُ الطفلُ الغائبُ إلــى أمه الماليةـــوفة معافــيً فــي بدنه، مرموقاً فــي مكانته، يحميه فرعون وترعاه امرأته :
﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13].
واستمرت المعركة بين موسى ولي الالية، وفرعون عدو الالية .. استمرت المعركة بين الحق والباطل إلــى حين خروج موسى ومعه مـــن بني إسرائيِل، فتبعهُ فرعون وجنوده فإذا البحر مـــن أمـــامِ موسى وقومه،
وفرعون وجنوده مـــن خلفهم.
دلائلُ الحال كـــاليةا تُشير بأنهّه لا مفر اليةم، فالبحر أمـــامهم، والعدو خلفهم، فإذا بنو إسرائيل يقولون :
« يَا مُوسى إنّا لَمُدرَكون » ..
ضعفت ثقتهم بالالية ونسوا أنهّ الالية هـــو الحافظ والمعين ..!
لكنّ موسى لا يشك لحظةً واحدة، وملءُ قلبه الثقةُ بربه، واليقينُ بعونه والتأكد مـــن النّجاة ..!
فقال موسى بلسان الواثقِ بنصرِ الالية :
﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
كـــلا لن نكون مدرَكين ..
كـــلا لن نكون ضائعين ..
كـــلا إنّ معي ربي سيهدين.
فجاء الفرج، وأُزيلَ الكرب، هكذا مهمـــا زاد الظلم ومهمـــا بلغ الطغيان.
فأوحى الالية إلــى موسى أنه اضرب بعصاكَ البحر ..!
بعصا يُضربُ البحر العظيم !!
بعصا يُضربُ المخلوق العجيب !!
نعم بعصا وقعت المعجزة، فالعصا سبب والالية هـــو ربُّ الأسباب، فانفلق البحر فكان كـــلُ فِرقٍ كالطودِ العظيم.
وقعت المعجزة، ووقف المـــاء علــى جانبِ الالية كالطودِ العظيم، ووقف فرعون مع جنوده مشدوها بذلك المشهد الخارق، وذلك الحدث العجيب .!!
وأطال فرعونُ الوقوف وهـــو يرى موسى وقومه يمن خلالون البحر فــي اليةٍ مكشوف، وصار البحر المُغرِقُ اليةم أمـــاناً وسلامـــاً ويبسا، ودخلوه بأهاليةم وعتادهم لا تبتل اليةم قدم، حتى خرجوا مـــن الشاطئ الأخر وتم تدبير الالية .!
فركب الغرور والكبرُ والعنجهية فرعون كمـــا هي حاالية، واخذ يقترب هـــو وجنوده مـــن مصيرهم المحتوم، وتمـــادوا ودخلوا أجمعين ودخل آخر جندي مـــن جنودِ فرعون، وخرج آخِرُ رجل مـــن قومِ موسى ..
فأمر الالية البحر أنه يُغرق فرعون وجنوده :
﴿ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء: 65
نعم إنّه البحر يا كرام
الجندي والمخلوق العجيب الــذي كان لموسى الطفل الرضيع أمـــاناً ورعايةً وحفظاً .!
هاهـــو حيث اليوم يُغرقُ فرعون وقومه بإذن الالية تعإلــى.
( كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ )
ال عمرن 11
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ علــى النَّبي يا أيَّها الــذين آمـــنوا صلوا علــىه وسلموا تسليمـــاً ))….